البدايات: حلم يُولد من رغبة في التغيير
في أوائل الستينيات، بدأت فكرة ابتكار جهاز يُقلل من ضرر التدخين تلوح في أفق المخترعين. لم تكن الفكرة جديدة، لكن التطبيق العملي ظل بعيد المنال حتى ظهور السجائر الإلكترونية بشكلها الأولي عام 2003. يعود الفضل في هذا الابتكار إلى الصيدلي الصيني هون ليك، الذي سعى إلى إيجاد بديل للتدخين التقليدي بعد وفاة والده بسبب سرطان الرئة. اعتمدت فكرته على تسخين سائل يحتوي على النيكوتين دون حرق التبغ، مما ينتج بخاراً يُستنشق بدلاً من الدخان.
من الغموض إلى الانتشار العالمي
شهد العقد الأول من القرن الحادي والعشرين تحولاً جذرياً في نظرة المجتمع لهذه الأجهزة. بدأت الشركات الصينية تصنيعها بكميات كبيرة، ثم انتشرت إلى أوروبا وأمريكا عام 2006. في البداية، لاقت رواجاً بين المدخنين الراغبين في الإقلاع، لكنها سرعان ما تحولت إلى موضة ثقافية بفضل تعدد نكهاتها وتصاميمها الجذابة. هنا ظهر مصطلح “vape” (ڤيب) المشتق من كلمة “vapor” (بخار)، لوصف عملية استنشاق البخار الناتج عن هذه الأجهزة.
التكنولوجيا تتطور.. والجدل يتصاعد
بحلول عام 2010، أصبحت أجهزة الـ vape أكثر تعقيداً. دخلت تقنيات مثل تعديل الجهد الكهربائي وضبط درجة الحرارة، مما سمح للمستخدمين بتحسين تجربتهم. لكن هذا التطور رافقه مخاوف صحية. دراسات أشارت إلى احتواء بعض السوائل الإلكترونية على مواد مسرطنة مثل الفورمالديهايد، بينما حذرت منظمات صحية من جذب الأجهزة للشباب غير المدخنين بسبب النكهات المغرية كالفاكهة والحلوى.
التشريعات: بين التشجيع والمنع
واجهت الحكومات تحدياً في تنظيم هذه السوق الجديدة. بعض الدول مثل بريطانيا شجعت استخدامها كأداة للإقلاع عن التدخين تحت إشراف طبي، بينما حظرتها دول أخرى مثل الهند وتايلاند بسبب نقص الأبحاث الطويلة المدى. حتى اليوم، لا تزال المناقشات حول فعاليتها مقابل مخاطرها مستمرة، خاصة مع ظهور حالات تلف رئوي مرتبطة باستخدام سوائل غير مرخصة.
الثقافة والمجتمع: أكثر من مجرد بديل
أصبحت ثقافة الـ vape ظاهرة اجتماعية بحد ذاتها. تنظم مهرجانات ومسابقات لصنع “حلقات بخار” فنية، بينما تحولت بعض المقاهي إلى “أماكن مخصصة للڤيبينج”. لكن النقاد يرون أن هذه الثقافة تطبيع استخدام النيكوتين، خاصة بين المراهقين. دراسة أمريكية عام 2022 أظهرت أن 20% من طلاب المدارس الثانوية جربوا السجائر الإلكترونية، رغم عدم تدخينهم سابقاً.
المستقبل: ابتكارات قد تغير القواعد
اليوم، تتجه الشركات نحو أجهزة ذكية متصلة بتطبيقات لمراقبة جرعات النيكوتين، بل وتجارب تستخدم تقنية النانو لتوصيل المواد دون تسخين. في المقابل، تعمل الحكومات على تشديد معايير السلامة، مثل منع النكهات المخصصة للأطفال. يبقى السؤال: هل ستثبت هذه الأجهزة أنها الحل الأمثل لمشكلة التدخين، أم مجرد بوابة لمخاطر جديدة؟