السيجارة الإلكترونية — طقوس حديثة للسكينة والارتباط النفسي

كيف أصبحت السجائر الإلكترونية أكثر من مجرد عادة؟

في زحام الحياة اليومية، تزداد الحاجة لدى كثير من الناس إلى طقوس شخصية تمنحهم لحظات من السكون، التأمل، وربما حتى نوعًا من الارتباط النفسي بشيء مألوف. من بين هذه الطقوس، بدأت السجائر الإلكترونية تبرز ليس فقط كبديل عن التدخين التقليدي، بل أيضًا كشكل حديث من أشكال التعلق العاطفي والسلوكي.

لكن ما الذي يجعلها أكثر من مجرد جهاز يصدر بخارًا بطعم الفاكهة أو النعناع؟ ولماذا يجد بعض الناس فيها نوعًا من الطمأنينة؟ للإجابة، لا بد أن نغوص أعمق في البعد النفسي للظاهرة، لا في أرقام المبيعات أو مكونات السوائل الإلكترونية.


التكرار المريح: كيف يُحدث النفَس البخاري فرقًا؟

تخيل هذا المشهد: شخص يجلس في شرفته عند غروب الشمس، يمسك بسيجارته الإلكترونية، يستنشق ببطء ويزفر السحاب بخفة. قد تبدو لحظة عادية، لكنها تحمل في طياتها رمزية قوية. الفعل البسيط هذا يخلق إيقاعًا مهدئًا، تكرارًا يساعد على تهدئة الأعصاب. بعض مستخدمي vape يصفون ذلك بأنه يشبه التأمل أو التنفس العميق — ممارسة تمنح الذهن فسحة للراحة وسط صخب الأفكار.

في علم النفس، يُعرف هذا النوع من السلوكيات بـ”الارتباط السلوكي المعزز”، حيث يتحول فعل فيزيائي إلى وسيلة للسيطرة على القلق أو تنظيم المزاج. هنا، لا يكون الجهاز نفسه هو المهم، بل ما يمثله من راحة مألوفة وإحساس بالسيطرة.


السيجارة الإلكترونية — طقوس حديثة للسكينة والارتباط النفسي


ليست عادة… بل طقس شخصي

المثير أن مستخدمي السجائر الإلكترونية لا ينظرون جميعهم إلى الأمر على أنه مجرد “عادة”. هناك من يتعامل معها بوصفها جزءًا من روتينه الشخصي اليومي، تمامًا كما يحافظ آخرون على طقوس شرب القهوة في وقت معين أو ممارسة المشي مساءً. في هذا السياق، تتحول السيجارة الإلكترونية إلى رمز ثابت، عنصر يعطي ليوم المستخدم شكلًا مألوفًا يمكنه الاعتماد عليه.

وهنا يبرز بُعد آخر: الشعور بالانتماء إلى مجتمع صغير غير مرئي. المتبنون لهذا النمط من الحياة غالبًا ما يتشاركون المحتوى عبر منصات التواصل، يتحدثون عن النكهات المفضلة، ويعرضون أجهزتهم المعدّلة. في هذا المشهد، يصبح vape وسيلة لبناء هوية رقمية وشخصية متمايزة.


بين العزلة والارتباط: المفارقة العاطفية

من جهة، توفر السجائر الإلكترونية لحظات من العزلة المقصودة — مساحة للهروب من التزامات العمل أو التوتر العائلي. ومن جهة أخرى، تخلق نوعًا من الترابط مع الآخرين الذين يشاركون نفس العادة. هذا التناقض الجميل بين العزلة والاتصال يعزز الشعور بأن الشخص “منتمٍ” دون أن يكون بالضرورة “مكشوفًا”.

فكرة الإمساك بالجهاز، تشغيله، اختيار النكهة المفضلة، كل هذا قد يشبه طقسًا خاصًا لا يشاركه إلا القلائل. وهكذا تتحول السيجارة الإلكترونية من جهاز تقني إلى كائن رمزي يحتفظ بخصوصية المستخدم ويحمل أثرًا نفسيًا داخليًا.


عندما يصبح الدخان رسالة صامتة

هناك من يجد في السحب البخاري وسيلة للتعبير غير اللفظي. مثلًا، في لحظة توتر أو انزعاج، لا حاجة للكلمات، يكفي أن يُخرج الجهاز ويستنشق البخار، وكأنما يقول: “أحتاج للحظة، دعوني أتنفس”. هذا الاستخدام الرمزي لا يحدث مع كثير من العادات الأخرى، ما يضفي على هذه السيجارة بعدًا فنيًا حتى.

هي ليست فقط استهلاكًا لنيكوتين أو نكهة، بل طريقة لإرسال إشارات للذات وللعالم الخارجي على حد سواء.


التحوّل من الهروب إلى المواجهة

رغم الاعتقاد السائد بأن السجائر الإلكترونية مجرد وسيلة للهروب من الواقع، فإن البعض يستخدمها كمنصة لمواجهة الضغوط، ولكن بطريقة هادئة وآمنة. بدلاً من الانفجار أو الانسحاب الكامل، تمنحهم هذه السيجارة الصغيرة نوعًا من السيطرة والتحكم.

في هذا السياق، تصبح السيجارة الإلكترونية وسيلة لا للاختباء، بل لإعادة التوازن. إنها تمنح هؤلاء الأشخاص فرصة للوقوف مؤقتًا، ترتيب الأفكار، ومن ثم العودة إلى الحياة بحضور أقوى.


الجهاز الذي يشبه الصديق

ثمة علاقة غير مباشرة تتشكل مع مرور الوقت بين المستخدم وجهازه. لا مبالغة في القول إن بعض الأشخاص يضفون مشاعر شخصية عليه — يختارون ألوانه بعناية، يحتفظون به في مكان محدد، وحتى يشعرون بنوع من “الفقد” لو ضاع أو تعطل. هنا، يكمن ما يمكن تسميته بالارتباط النفسي غير المشروط.

قد يشبه ذلك إلى حد بعيد العلاقة مع كتاب مفضل أو مع فنجان قهوة يحمل ذكريات معينة. ما كان في البداية منتجًا وظيفيًا، يتحول إلى رفيق صامت.